اما الاشتراكية او التفاهة 1


    ثمة سيناريو يتكرر في أفلام نهاية العالم: تغزو الكائنات الفضائية الكوكب او تسيطر عليه الآلات او الموتى ـ الاحياء المصابون بعدوى فيروسية. عادة تعتمد هذه الأفلام سردا سينمائيا يقوم على الاسترجاع. حيث يصور المشهد الأول مجموعة من البشر المختبئين وسط الخراب. ويمثلون جيبا من جيوب المقاومة. ومن خلال ذكريات بعض الشخصيات. يتم سرد الاحداث التي سبقت الخراب العظيم الذي يعمّ الكوكب: يحصل خلل في النظام (او خيانة ما) ثمّ يدبّ الهلع وتنتشر الفوضى في كل مكان... ويعمّ الخراب.
في هذا السيناريو المتكرر الكثير من الحقيقة. فالأحداث واقعية. لقد حدثت فعلا. ولسنا في حاجة الى الانتظار مئات السنين لتتحقق النبوءة. لكن الغزاة ليسوا كائنات فضائية. «انه غزو البلهاء» على حد قول المفكر الإيطالي امبرتو ايكو. غزو صامت، دون ضجيج سياسي او صخب ثوري. ولكنه قوي وحاسم على النحو الذي يفتك به مرض خبيث بجسد منهك. «لقد تبوّأ التافهون السلطة». ولم تبق غير مجموعات صغيرة تمثل جيوب مقاومة وهي مجموعات من المنشقين المتمردين المؤمنين بجدوى المقاومة وضرورة تغيير العالم. 
هذه حقيقة لا مراء فيها. والواقع المعيش وتفاصيل اليوميّ تقدم حججا لا حصر لها على صحتها. 
في تونس ـ بعد الانتفاضةـ مثلا كان الهذيان العام هدّاما. لقد ساهمت وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ومئات التطبيقات على أجهزة الهواتف الجوالة في تكريس التفاهة نمط حياة. ليس لأن رأس المال الحريص على دعم عديمي الموهبة واشباه الشعراء والكتاب واشباه المسرحيين واشباه السياسيين وأشباه الصحفيين جعل هؤلاء المهرجين المدربين جيدا على القيام بالأدوار التي يطلب منهم القيام بها في كرنفال التفاهة الكوني يحظون بوضع مادي جيّد ويمثلون نموذجا يحتذى به فحسب، بل لان طبيعة الوسائط الجديدة وطرائق اشتغالها مناسبة لتحقيق هذه الغاية (اسباغ التفاهة على كل شيء). فهذه الوسائط أتاحت للهذيان( الضجيج إعادة تشكيل سنن تلقي الخطاب السياسي. فأُغرق الخطاب الثوري الحقيقي في خطابات ثورويّة، حتى ان مفارقات صارخة مثيرة للسخرية والازدراءـ كأن يرفع حزب يميني رجعي شعار الثورة لم تعد تثير الانتباه. ان جملة تافهة يتفوه بها سكران بائس تحظى بتقبليّة    acceptabilité ورواج كبيرين في "السوق اللغوية" ـ أذا جاز لنا ان نستعير مصطلح بيار بورديو في هذا السياق ـ لا تحظى بهما لوائح سياسية أو دراسات اقتصادية تطلبت صياغتها أشهرا من البحث والدرس والمراجعة والتدقيق. ويتحول صاحب الجملة الركيكة الى نجم مشهور يُستقبل في البرامج التلفزية والاذاعية وتتحوّل حياته الخاصة الى مادة إعلامية تحظى بالمشاهدة في ظرف وجيز. وفي ظرف وجيز تنتهي الاثارة ويستدعى بائس اخر وحدث تافه اخر ليحتل صدارة المشهد. في حين يُغض الطرف عن جامعيين يعتصمون منذ سنوات من أجل حقهم في العمل وعن اضراب جوع وحشي تشنه عاملات المصانع او العاملات في القطاع الفلاحي اللواتي لا يصبحن مادة إعلامية الا إذا لقين حتفهنّ. ولأنّ «كل عمليات التواصل اللغوي هي أنواع من الأسواق (اللغوية) الصغرى.» فان التقبليّة التي يحظى بها الضجيج والهذيان وارتفاع قيمته رمزيا وواقعا ـ بما انه يحقق فعلا مكاسب مادية ورمزية للتافهين ـ يشير الى خلل قديم في النظام الرأسمالي أدى الى انحدار القيم الإنسانية وترذيل الحقائق الكبرى والحطّ من قيمة المعرفة (النظرية خاصة). هذا الخلل الذي أصبح أكثر خطورة على النوع البشري وليس على مجتمع من المجتمعات او ثقافة محددة في ظل التطور السريع للوسائط الحديثة. في حقبة ما بعد التلفزيون. التي أدت الى تغيير سنن تلقي الخطاب وتمثل الواقع.
لقد أصبح المتلقي ـ على نحو ما ـ عبثيا. لا يحمل ما يتلقاه من رسائل على محمل الجد. انه منخرط في هذيان لا يتوقف، مشغول بتصوير نفسه ولا يعبأ بما يدور حوله من احداث مصيرية. لقد أصبح يتمثّل الواقع ـ بما في من بؤس وفقر وعنف ـ على انه صور ومشاهد تعرض امامه ولا تحدث في الواقع.
لقد حصل انقلاب كلي في تمثّل الواقع: في 25 ديسمبر سنة 1895 عُرض ثاني أفلام الاخوين لوميير "وصول القطار الى السكة" في باريس. وفي قاعة العرض اثار مشهد قدوم القطار ـ وهو يتوجه الى الجمهور مباشرة ـ موجة من الهلع والرعب، حتى ان بعض المشاهدين ارتموا تحت الكراسي في حين تسمر البعض بسبب الذهول والفزع. ان جمهور الاخوين لوميير عاش لحظة عصيبة لان المرجع الذي يستند اليه هو الواقع واللبنات التي بنيت منها تركيبة الافراد الذهنية والنفسية هي تجاربهم الذاتية وما اختبروه في الحياة وليس ما شاهدوه من صور. وما يحصل اليوم بتأثير الوسائط الحديثة هو نقيض ما حصل قبل قرن اثناء عرض فيلم الاخوين لوميير. فالتركيبية الذهنية والنفسية لملايين البشر صارت مركبة  في اغلبها من الصور. انها تختزل الواقع في صورة وتقطع الصلة بين الحدث وصوره ـ لقد جعل تدفق الصور كل ما يحصل في العالم من فظاعات امرا مألوفا. انها مجرد صور لذلك فانها ليست مدعاة للشعور بالاسى او التعاطف فما بالك بالانخراط في فعل المقاومة.   
ان البؤس يملأ العالم: «أغلب أنظمة العالم البيئية مهددة، لشركات البترول اقتصاديات أشبه ما تكون بالمافيا، أقوى من أي دولة، الإنتاج الإعلامي مصمم للتلاعب بناء على أساس من التجارب العصبية، الاجناس الطبيعية تنقرض، هنالك قارة من البلاستيك المرمي تتشكل الان في المحيط الهادي والتوترات تثور بلا هوادة في مناطق الصراع الجيوسياسي حول العالم.» ـ هذا ما يراه مفكر كندي ينتمي الى العالم المتقدم ويتمتع بوضع مادي ورمزي متميز. فما الذي يمكن ان يختبره شخص يعيش في العالم العربي المحكوم باعراف القبيلة أو القبيلة في لبوسها الحداثي، في يتونس في ظل حكم شركة اخوانية متعدية الجنسيات يديرها الاستعمار ويمنح حق تسيير بعض فروعها المحلية لسماسرة هواة؟؟ في مدينة منجمية من مدن الجنوب التونسي ـ  يكفي ان نذكر بان الخراء ـ بالمعنى الحقيقي ـ يتدفق في شوراعها بمجرد نزول المطر..؟؟؟؟؟ 
ورغم هذا القدر من الخراب فان أغلب البشر غارقون في فردانية مقيتة يزيدها الهوس الاستهلاكي والولع بالمشهدية ذات الطابع الايروتيكي فجاجة وبؤسا. ولعل قائمة حسابات الانستغرام الأكثر متابعة وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي تؤكد هذا التصور. 
لقد نبّه الكثير من المفكرين ـ منذ سنوات ـ على هذا الانحدار غير المسبوق في تاريخ البشرية:
ففي حوار مع المفكر الإيطالي امبرتو ايكو في تسعينيات القرن العشرين ـ مثلا ـ يقول: «في الواقع، نحن نواجه خطر الكثرة، انها مأساة. فالأفراط في المعلومات يعادل الضجيج وقد فهمت السلطة السياسية في بلداننا ذلك جيدا. فلم تعد الرقابة تُمارس عبر الاقصاء والاحتجاز وانما عبر الافراط. اذ يكفي اليوم لتدمير خبر ارسال خبر خلفه تماما.»
وهذه الملاحظة أصبحت أكثر وجاهة بعد تطور الوسائط الحديثة ـ ما بعد التلفزيون ـ اذ ادى توسع شبكة الانترنات وسرعة الاتصال بها عبر الحواسيب والحواسيب اللوحية والهواتف الجوالة وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي الى نشر الفوضى. فهذه الوسائط لا تكتفي بتدمير خبر مهم بإغراقه بأخبار أخرى بل بتذويب كل الاخبار في كرنفال تفاهة معولم وتغيير سنن التلقي. لقد اتاحت هذه الوسائط لعديمي المعرفة البتّ في أكثر القضايا حيوية ومصيريّة. ولا يكمن الخطر في الضجيج فحسب، بل في انحراف الفاعلين الحقيقين في هذا المجال او ذاك ـ في المجال الثقافي والسياسي خاصةـ   بهدف إرضاء جيوش التفاهة او خضوعا لابتزازهم. وقد علقّ امبرتو ايكو ـ على هذا الانحدار الذوقي والقيمي في لقاء قصير جمعه بالصحفيين في 2015 قائلا: «انَّ أدوات وسائل التواصل الاجتماعي تمنح حقّ الكلام لجيوش من الحمقى، ممن كانوا يتكلَّمون في الحانات فقط بعد تناول كأسٍ من النبيذ، من دون أن يتسبَّبوا بأيِّ ضرر للمجتمع، وكان يتمّ إسكاتهم فوراً. أما الآن، فلهم الحقّ في الكلام، مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنَّه غزو البلهاء «.
يقترن الهذيان( الضجيج بانتصار التفاهة باعتبارها نظاما ونمط حضور في العالم. فليس ما نراه في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائله الا السطح الذي تتلاطم تحته أمواج التفاهة. وقد وصف الفيلسوف وعالم الاجتماع الكندي الان دونو هذا النظام في كتابه " نظام التفاهة" (la médiocratie).  وصفا يبعث على الأسى والهلع في ذات الوقت.
يشير الان دونو الى ملاحظات ماركس الوجيهة حول تقسيم العمل الذي أدى الى اختزال العمل في قوة العمل ثم في تكلفته (بحيث يكون الاجر مساويا لما يحتاج اليه العمال لإنتاج قوة عملهم) وحوّل العمال الى أدوات"  لا يعدو فيها العمل الدائم مدى الحياة ان يكون محض وسيلة لضمان وجودهم ذاته" مبينا أن هذا التقسيم « ساهم في ظهور السلطة التافهة mediocre power. فاجادة كل مهمة لجعلها نافعة لمنتج نهائي ـ لا أحد يعرف ما هو ـ هي مسألة قد ساهمت في ظهور " خبراء" فارغين يهرفون بخطب جيدة التوقيت»،  بل ان هذا التقسيم قد جعل العمل مشروطا "بعقيدة امتثاليّة تخفي الكسل الفكري العميق". فهذه العقيدة  تعني الخضوع للمعايير المكرسة في حقل ما (اقتصادي او ثقافي او سياسي ....) اوفي مجتمع ما، كما تعني اقصاء كل نفس نقدي. فتهمة الفوضوية جاهزة دائما لتسبغ المعقولية على الاقصاء ورفض الاختلاف سواء كان ذلك في إطار مؤسسة صناعية او حزب سياسي وبالتالي إعادة انتاج التفاهة.  ان جوهر كفاءة الشخص التافه هو «القدرة على التعرف على شخص تافه اخر. معا، يدعم التافهون بعضهم بعضا. فيرفع كلّ منهم الاخر لتقع السلطة بيد جماعة تكبر باستمرار.» حيث ينبغي على المرء «ان يكون قادرا على تشغيل تطبيقات الحاسب الالي وملء استمارة ما من دون شكوى، ترديد عبارات مثل "المعايير العليا لحوكمة الشركات" و" مقترح قيّم" مع توجيه التحية في الان ذاته للأشخاص المناسبين. ولكن ـ وهذا أمر مهم ـ لا ينبغي القيام بما هو أكثر من ذلك.».
دارت فصول كتاب نظام التفاهة حول المعرفة والخبرة والتجارة والتمويل والثقافة والحضارة وتطرقت تحت هذه العناوين الى مواضيع مختلفة وقد حرص الان دونو على توضيح مدى التدهور الذي بلغته هذه المجالات بسبب أجواء التفاهة ومعاييرها التي أدت الى تغيير قواعد اللعبة ( الصراع بين الفاعلين في هذه الحقول المختلفة. حيث تراجعت الكفاءة والقدرة على الابتكار والابداع نهائيا لصالح التواطئ والتآمر والتملق. وقد افرز هذا النظام «خمس شخصيات مفاهيمية تظهر لتجسد ردود الفعل المحتملة لهيمنة النظام الذي يتطلب التفاهة» وهي الكسير الذي يرفض النظام ويعبر على ذلك بالانسحاب. والشخصية التافهة بطبيعتها «وهذا الشخص التعس يصدق ما يروى له من أكاذيب. انه شخص طيب يحبه الايديولوجيون وهو يعتنق نظرياتهم لأنها أصبحت جزءا من بنيته الذاتية، كل ما ينتج عن ممارسات زماننا تبدو له طبيعية جدا.» أما الشخصية الثالثة فهي شخصية التافه المتعصب، وهو «محنة حقيقية، يطلب المزيد دائما. انه شخص يعرف جميع الحيل. انه يستيقظ من نومه وهو يتساءل عن الحيلة المشبوهة التي يمكنه ابتكارها لنيل الحظوة لدى سلطة ما.»
الشخصية الرابعة هي شخصية التافه رغما عنه، ذلك الذي « ينفّذ عمله تحت الضغط، فهو ينفّذه مع شعور بالعار أيضا، وادراكا تاما لابتذال الشر الشر الذي يمثله»
والشخصية الأخيرة يمثلها «عدد صغير من الرعناء الطائشين (...) هؤلاء هم الأشخاص الذين يندفعون الى الامام، منددين بأعمال مؤسسات السلطة، التي تكون أجرتها الوحيدة هي شرف عدم المشاركة فيها» وهؤلاء هم اخر جيوب المقاومة، الذين لا يفقدون الامل حين يعم الخراب العالم. 
ان وصف نظام التفاهة قاد الان دونو الى استفهام يحقق وظيفة النفي:« ما الذي أستطيع عمله، انا الشيء الصغير، النكرة السجين بداخل فرديتي العميقة، المجبر على أكل البيتزا المجمّدة بداخل شقتي المكونة  من نصف سرداب، والذي أعيش في محيط من معدل البطالة المرتفع، والايجارات العالية، وحشية الشرطة، وجميع المبالغ التي أدين بها للأخرين؟» وهذا السؤال ـ ينفي كل احتمال للمقاومة. انه يؤكد انه لم يعد بوسعنا فعل أي شيء. ورغم أن دونو يختم عمله بالدعوة للمقاومة: « كن راديكاليا» الا ان ما يرسخ في الذهن بعد قراءة الكتاب هو ذلك الإحساس المفرط بالاسى والهلع والعجز في ان معا.
ولكن ما العمل؟ ما الذي قد تفعله مجموعة صغيرة من البشر المختبئين وسط الخراب؟ ما الذي يمكن ان تفعله مجموعة من" الرعناء الطائشين" الذين يرفضون الاستسلام؟؟ كيف تحول جيوب المقاومة مناوشاتها الصغيرة مع التافهين ـ والتي تبدو فعلا دفاعيا يهدف الى البقاء فحسب ـ الى فعل مقاومة انساني شامل وعارم يدحر التفاهة ويعيد اعلاء القيم الإنسانية الحقيقة ويحوّل حيواتنا من "محاولات للنجاة والبقاء " والتي ازدادت عسرا وصعوبة في بداية هذا القرن. الى حياة حقيقية، الى " حياة بحريّة"؟
وازعم ان الإجابة بسيطة: عمل سياسي. لكن كل عمل سياسي سيكون قاصرا ما لم يتضمن التفكير في هذه الوسائط الحديثة باعتبارها نواقل للمعرفة قادرة على هدم البنى والمؤسسات القديمة لا مجرد وسائل للتواصل والتأثير والتعبئة فحسب ـ بان التفكير في الحواسيب والحواسيب اللوحية والهواتف الجوالة المتصلة بشكبة الانترنيت ومنصات ومواقع التواصل الاجتماعي يجب ان يتمّ مقارنة بالمطبعة مثلا.  ويكفي ان نشير بايجاز الى ان ظهور المطبعة قد سرع من انهيار سلطة الاقطاع. فبفضل توفر نسخ مطبوعة رخيصة بدل المخطوطات الثمينة ـ المحتكرة بأيدي قلة من النبلاء واعوانهم كانت حركة الإصلاح الديني التي حررت المسيحي من سلطة الكهنة وتحولت اللهجات العامية الى لغات وطنية بعد ان كانت اللاتينية لغة الفن والعلم والدين فانهارت سلطة الكنيسة. وظهرت الدولة العلمانية. 
ان المعركة يجب ان تشن بنفس الأسلحة.  فالعصي التي كنا نتكأ عليهاـ أغلب الوقت ـ في انتظار المعركة لن تصمد في وجه طلقات التفاهة التي تنهمر من كل اتجاه.



الشعب التونسي العظيم (ثقافة القحب والدروشة )



في الاسبوع الماضي  اهتمام الشعب التونسي العظيم الكل كان منصب على امتحانات الباكالوريا و تحديدا على ظاهرة الغش .وها الاهتمام  يبان من خلال مواقع التواصل الاجتماعي و وسائل الاعلام المختلفة وحكايات الجارات والحديث في القهاوي... الشعب التونسي العظيم الكل، بجميع فئاته، مستاء  من استفحال ظاهرة الغش في الامتحانات ومندهش من المستوى اللي وصلوا التعليم في تونس...الوزير والجماعة في الوزارة والمديرين و الاداريين و الاساتذة و نقابتهم والتلامذة والاولياء و البوليسية  و التاكسيستية والجزارة والخبازة و الهباطة والقشارة و المقاولين و جماعة الكنترا والمهربين والارهابيين.. الحاصل الشعب التونسي العظيم فردا فردا الكل مكرزين من الحكاية متع الغش في الامتحانات و التنقيل  بطرائقه الكلاسيكية و المستحدثة... حتى السياسين و المتثقفين متع البلاد وجماعة المجتمع المدني وحقوق الانسان غاضتهم الحكاية برشة و قاعدين يحللوا ويناقشوا ويفكروا ويلوجوا على حل لهالمصيبة.. وطبعا التعليقات اللي تقراها وتسمعها هنا وهنالك حول الموضوع تخليك تتصور ان الناس الكل ابرياء وما عندهم حتى دور و حتى ذنب في اللي قاعد يصير..
اللي قاعد يصير ماهو الا مؤامرة مسلطة علينا من الغرب الكافربهدف ابعادنا عن ديننا الحنيف (على خاطر هذي ماهيش اخلاق المسلم وسيدي النبي قال من غشنا فليس منا)  والا مخطط متع الدول الامبريالية العظمى بهدف تدمير العقول و السيطرة على الثروات متع الامة... مؤامرة من النقابة على السيد الوزير و حكومة المهدي جمعة... مؤامرة من الوزارة على النقابة متع الامن الجمهوري الموازي ... مؤامرة من رئاسة الجمهورية على الجمايلية (وهنا نحب نذكر للمرة المليون اللي الجمايلية عطاشة) ..

الشعب التونسي العظيم بجميع فئاته مندهش من استفحال ظاهرة الغش في الامتحانات ولكن في نفس الوقت يتعايش مع ظواهر اخرى ويدافع عليها.. الكنترا والتهريب مثلا. 
شعب بكله متورط في منظومة التهريب.. من المهرب اللي  عنده هدف وحيد وهو الثراء السريع والفاحش وهذاكا علاش ماهوش مستعد يخدم حتى حاجة اخرى بل مستعد يضحي بالبلاد والعباد اللي فيها في سبيل رغبته الانانية البائسة مرورا بمنظومة كاملة متع طحين وسرقة وجهل و تجوعيب وصولا الى الجعب اللي يدافعوا على المهربين بحجة انه التهريب "مورد رزقهم الوحيد " وما عندهمش حل اخر. و الكلام هذا عادة نسمعوه من الرفاق الجعب اللي ناااااااااااااااااااااااااااضلوا من اجل العمال والفلاحين.

ها الازدواجية المقية اللي يعاني منها الشعب التونسي العظيم عصية على التفسير..
الاستاذ اللي يقري الدروس الخصوصية و يزيد الاعداد للتلامذة  يستنكر الغش في الامتحانات
القيم و الاداري والمدير اللي يمشي للاستاذ اخر العام ويضغط عليه باش يزيد الاعداد لتميذ قريبو يستنكر الغش في الامتحانات
الموظف اللي يسرق رام اوراق يستغرب الغش في الامتحانات
الفرملي اللي يسرق الدواء من صبيطار و الطبيب اللي يتاجر بالصحة يستنكر الغش في الامتحانات
التاكسيستي اللي يطلعك معاه وما يحطش كونتور و يطلع معاك واحد اخر ويطول الكورسة  وهو اساسا يسوق من غير رخصة تاكسي
البوليس اللي ياخذ رشوة و يتعمد يخلقلك مخالفة من الحيط باش يدبر 5 الالف
المحامي اللي يبيعك لخصومك
الصحافي اللي يتشرى ويتباع ب4 بيرة
المرماجي اللي يعدي النهار يركر في التاي
الجزار اللي يسرق في الميزان
المقاول اللي يسرق في السلعة و يتسبب في موت الارواح
الجامعيين اللي يتحرشوا بالطالبات
الطلبة اللي ولوا طالبان
المثقفين
السياسيين
العمال 
الفلاحين
السيد رئيس المجلس التاسسي
السيد رئيس الجمهورية
السيد رئيس الحكومة
و
القاري و الكاتب 
و اللي تسمى في اعلى المراتب..........

أغلب افراد الشعب التونسي العظيم يمجدوا القيم المنيكة و يحترموها جدا... الغش و القلبة والانتهازية والسقوط والكذب و الهمجية والتجوعيب هي القيم اللي يلتزموا  بيها أغلب  التوانسة ويربوا عليها اولادهم.. و سيب عليك من الشعارات و الغناء متع المتثقفين... يكفي ان التونسي يحس بيك متربي شوية .. مجرد تلميح يكفي باش يحلب ويولي صيد اصفر.. في اي خلاف مع تونسي ومهما كان الخلاف بسيط  وقت اللي تعبر على قدر من التربية والتحضر و تغلط وتقول : يا خويا سامحني ما صار شي. يولي الموقف درامي و تنجم تاكل طريحة مجانية. اما اذا تقول له "بر نيك **ك".. تأكد انه يمشي من غير ما يتلفت...

مؤسف جدا ان الثقافة المكرسة في تونس هي ثقافة القحب والدروشة... شعب يحب يغير كل شيئ .. يحب يولي عايش كيف السويسريين و في نفس الوقت موش مستعد يبدل حتى حاجة على خاطر مشى في بالوا انه " شعب عظيم "  " عمل الثورة" 
ومن المواقف الللي تضحك و تبكي ..وتعكس مدى تغلغل ثقافة الاستهتار واستسهال الاشياء والقحب والدروشة  موقف عشته في اطار مراقبة امتحان الباكالوريا ( باش نبقوا في نفس الموضوع) كنت نراقب في امتحان رياضيات (شعبة علمية) يعني الرياضيات من اهم المواد اللي يستعدلها التلميذ... المترشحين في القاعة 19 تلميذ عندهم مسطرة وحدة مكسرة 2 كوس  وقوم (ممحاة) واحدة و 3 اقلام رصاص... هذي هي الادوات اللي استعملوها لانجاز الامتحان وهو ما اضطرني انا والزميلة اللي تراقب معاي باش نعدوا 3 ساعات في حركة مستمرة بين الطواول... بالرغم ان القانون يمنع تبادل الادوات بين التلامذة... انا كيف كملت خرجت نتشكى لزميلي من استهتار التلامذة .. حكالي على تلميذ ما عندوش بركار باش يرسم دائرة و التلامذة اللي في القاعة الكل ما عندهمش بركار... التلميذ فرغ القوبلي من الماء  واستعمله في رسم الدائرة..
يبدولي ان الكم هذا من الاستهتار ما جاش من فراغ.. وانما هو تجلي من تجليات  ثقافة القحب والدروشة وهي كثيرة ولا حصر لها. ومنها مثلا ان ما يفرقش بين الانتفاضة و الثورة و الا يفرق ومع ذلك يتقوحب. ومنها انه انتخب النهضة ويحب على الديمقراطية والتنمية.. انه مسخ و يحب الشوارع نظيفة و انه شعب سلفي ويحب على التقدم الحداثة ( وهنا نؤكد انه ما ثماش حتى فرق بين اللي يلبس قميص وعراقية و اللي يلبس دينقري مرساياز اللي يسمي روحه "ابو قتادة "واللي يسمي  روحه" ستالينوف" ما ثماش فرق بين الاخوة والرفاق اذا اقتصر جهدهم على حفظ النصوص و استعراضها ببهامة سواء كان النص صحيح مسلم او الدولة والثورة)

في النهاية ثمة سؤال ملح: علاش التوانسة حيرتهم الحكاية متع الغش و ما حيرهمش العنف  والاعتداءات المتكررة والخطيرة على الاساتذة المراقبين؟؟؟؟؟؟؟




فوائد البكاء في " البلكونة"...



اعترف رفيق عبد السلام  بوشلاكة صهر الغنوشي ووزير الخارجية الاسبق في برنامج اذاعي بانه منح الصحفي بقناة المتوسط مقداد الماجري شيك بمبلغ 8 الاف دينار مقابل "خدمة" رفض الافصاح عنها بل واكد انه لن يفصح عن ذلك حتى امام القضاء لان المسألة تعتبر سرا من اسرار الدولة. (انتهى الخبر)
تعليق 1
يقول المتنبي:
 اذا اشتبهت دموع في خدود  *****      تبين من بكى ( في البلكونة) ممن تباكى (في البلكونة)
  تعليق 2
  افكر بالـ8 الاف دينار التي لا يمكن ان احصل عليها انا مثلا (دفعة واحدة) الا بقرض تتجاوز فوائده الفي دينار ويقتضي سداده ثلاث سنوات على الاقل يقتطع خلالها ثلث المرتب تقريبا.... افكر في المرتب ... و في ما يتصل به من عذابات تبدأ بـ " صبوا والا ما صبوش" و لا تنتهي ابدا فتنتابني رغبة حقيقية في البكاء في البلكونة ولكن لأن المثل يقول " لا جدوى من البكاء في البلكونة على اللبن المسكوب" فاني لن ابكي لا على اللبن المسكوب ولا على العمر الذي يذهب سدى 
وافكر في الخدمة التي حصل مقابلها مقداد ماجري على 8 الالف دينار ؟ ترى ما هي الخدمة الجليلة التي لا يمكن ان يقوم بها الا مقداد الماجري؟ ماهي الخدمة التي احتاجت فيها الدولة التونسية و الشعب التونسي لمؤهلات ابنه البار مقداد الماجري؟؟ ربما يكون الرجل قد انقذنا على نحو ما من حمام دماء او جنبنا حربا اهلية فهذا ما فعله الكثيرون خلال السنوات الثلاث الماضية... وتنتابني الرغبة في البكاء مجداد ولكني لن ابكي ...  فطقس اليوم البارد يمنعني من الخروج الى البلكونة
 تعليق3
تقول الخنساء:
ولو لا كثرة الباكين (في البلكونة) حولي    **** على اخوانهم لقتلت نفسي
 (لكثرة الباكين  في البلكونة حولي       على اخوانهم لأقتلن نفسي)

تعليق 4
ومن الحقائق التي  لا لبس فيها ولا سبيل لانكارها  والتي قد تدعوك الى اعادة النظر في كثير من الامور ان رفيق عبد السلام بوشلاكة ومقداد الماجري ينتميان عقلا ووجدانا الى الشعب التونس العظيم .
تعليق 5
الجمايلية عطاشى 

الملك العاري و الرئيس المخبول و شيخ الجمايلية وتسميات اخرى

أعرف أن حكاية   الملك والنساج الماكر مازالت عالقة بأذهانكم...وأن كل واحد منكم رغب في أن يكون هو الطفل الذي صرخ:" الملك عار"
تتذكرون الحكاية؟
نسّاج ماكر أوصلته الحيلة إلى قصر ملك ساذج ودعيّ فأقنعه بأنه سينسج له ثيابا سحرية لا يبصرها إلا الأذكياء... فلمّا نهب ما استطاع إليه سبيلا من أموال الملك المنهوبة أصلا من عرق الرعية اخبره أن الثياب صارت جاهزة. فأستعدّ الجميع لهذا الحدث.
 دخل النساج على الملك وحاشيته وتقدم نحوهم وكأنه يحمل شيئا ما. ثم انحنى أمام الملك وكأنه يضع شيئا .. فاقترب واحد من رجال الملك وكان خسيسا طماعا وأكثرهم وضاعة وجبنا ونفاقا وقال بارتباك: مدهشة. عمّ الصمت وتقاطعت النظرات ولكنّ ذلك لم يدم طويلا فقد انهالت عبارات الإعجاب المنافق الكاذب من كل الأفواه... حتى أنّ احدهم قد امتدح الرسوم الصغيرة المذهبة على كتفي الثوب وانحنى ليقطع خيطا يتدلى من احد الأكمام كان النساج قد أهمله.
ثم بدأت مراسم تعرية الملك... نزعت ملابسه قطعة  قطعة... ورغم أسفه العميق لأنه الوحيد الذي لا يرى الملابس فقد ظل مكابرا كي لا يبدو غبيا... فالملابس السحرية لا يراها إلا الأذكياء..
كانت الجماهير التي جاءت من كل أنحاء المملكة تملأ الشوارع في انتظار خروج الملك... في الأثناء اختلفوا حول الألوان التي يفضلها الملك والألوان التي تفضلها الملكة... شجّ بعضهم رؤوس بعض ... نهب بعضهم بعضا... تقاتلوا ... تبوّلوا في كل ركن...  جلسوا على الأرصفة يقصعون القمل والصئبان... صرخوا وبصقوا... وأكلوا وسكروا... وانتظروا. ولمّا اطل موكب الملك هيمن صمت رهيب على الجموع... ثم علت صيحات الإعجاب... والهتاف للملك، خوفا أو نفاقا أو طمعا أو جهلا... لا فرق. ولا فرق بين هؤلاء و بين  من هزّ كتفيه لامباليا يائسا لأنه لا فرق عنده بين ملك عار وملك بثياب حريرية فالملك ملك..
تقول الحكاية أن طفلا بين الحاضرين قد صرخ : الملك عار الملك عار... وهكذا انقلبت هتافات الجماهير الى صيحات سخرية وتهكم . حتى  ان أكثر أفراد الحاشية غرقوا في قهقهة هستيرية... و اصبح الملك العاري ملكا منبوذا.
الحكاية تفتح أبواب التأويل على مصرعيها والتأويلات التي قد تحضر في ذهن القارئ ستختلف باختلاف  المجال/ الحقل الذي ينتمي إليه وموقعه في ذلك المجال. ومع ذلك فان الجميع سيشعرون بقدر من التعاطف مع الملك، تعاطف تخالطه شفقة و سيشعرون بحقد على الحاشية وربما بقرف و اشمئزاز من الجماهير وإعجاب بالطفل الذي صرخ: الملك عار.
هل فكرتم بالنساج الماكر؟ ماهو شعوركم نحوه؟؟
الأرجح أن النساج سيظل خارج دائرة انطباعاتنا ومواقفنا؟
ولكن لماذا يظل النساج الذي نسج الحكاية وحاك المؤامرة خارج دائرة اهتمامنا ؟؟؟ يقترح الواقع المقيت الذي نعيش الجواب. علينا فقط ان نعيد تسمية الاشياء.
سنسمي الملابس السحرية التي لا يراها إلا الأذكياء "ربيعا عربيا" أو " ديمقراطية" أو "ثورة" و لا فرق بين هذه وتلك مادامت التسميات جميعها تتضمن حقّ كائن كـ  البحري الجلاصي أو الهاشمي الحامدي وسنية بن تومية وعماد الدايمي وعبد الوهاب معطر ومحرزية  العبيدي وعلي العريض والبحيري والمنصف المرزوقي، بالذات المنصف المرزوقي، وسهام بادي وشقيقها و حسين الجزيري وطارق الكحلاوي وعبد الرؤوف  العيادي والطاهر هميلة و مصطفى بن جعفر وحمزة حمزة وغيرهم من المصائب والعاهات والنّوكى والحمقى والمكبوتين والمرتشين وقطاع الطرق والمحتالين و السماسرة والارهابين والمرضى في أن يقرروا مصائرنا بدلا عنا.

سنسمي الجماهير/ الرعية "شعبا" أو "عمالا وفلاحين... كادحين.." أو "إخوة "أو "رفاقا" أومناضلين أو مجاهدين.... أو سمّهم ما شئت ماداموا يجلسون على الأرصفة يقصعون القمل والصئبان... ماداموا لا يبالون بما يدبر لهم... ماداموا يختلفون في الالوان المفضلة بالنسبة للملك والملكة... ماداموا يطلقون اللحى أو يطلقونها... ماداموا يرتدون القمصان الافغانية أو القمصان التي عليها صور غيفارا...ماداموا لصوصا منافقين كذابين جهلة مدعين... أبناء الشعب/ الرفاق/ الإخوة و الاخوات  الذين  ماداموا لا يستطيعون العيش دون عقيدة يقتلون الآخر من أجلها وماداموا يقدسون النصوص ويلوون عنق الحياة/ الحقيقة لكي تطابق ما جاء في الواحهم.
سنسمي  الملك" بورقيبة" أو " بن علي" أو" بشار الأسد" أو " القذافي" "مبارك" " صدام حسين" " محمد السادس" " العاهل السعودي... ما اسمه؟؟؟" أو "... سنسميه " المرزوقي" أو " السيسي"... لا فرق مادام دعيا ساذجا يحسب انه إن لم يصح في الصباح فان الشمس لا تشرق عل شعبه..
لنتوقف قليلا عند هذه النقطة.ضمن اي خانة يمكن ان نضع رئيس الجمهورية التونسية الدكتور الحقوقي السيد المنصف المرزقي المدافع الشرس في بعض مقالاته عن اللغة العربية الفصحى التي لا يجيدها، بل ويعجز عن استعمالها في تكوين جملة بسيطة واحدة دون اخطاء تركيبية وتعبيرية فادحة والمدافع الشرس عن حقوق الانسان الذي صرح بأن سجن مواطن لم يقترف ذنبا غير التعبير عن رأيه بوضوح ـ يفتقده الرئيس وحاشيته ـ هو من باب حمايته من الاخطار المحدقة به... هذا الرئيس الذي يعتقد ان تواضعه الكاذب من قبيل رفض ارتداء ربطة العنق او السير على السجاد الاحمر كفيل باقناعنا بحماقاته الكثيرة...ضمن اي خانة يصنف المرزوقي اذن؟؟ في خانة السياسين المحنكين؟ الحقوقيين؟ المثقفين؟ المخبولين؟؟ بالنسبة لي سيكون ضمن وسائل التعذيب.. الى جانب الضرب والصعقات الكهربائية و الايهام بالغرق وغيرها
يبقى طفل الحكاية الذي صرخ: " الملك عار..."
هل نسميه " محمد البوعزيزي"... مثلا ؟؟؟؟
طفل الحكاية الحقيقي ـ في اعتقادي ـ هو ذلك الطفل الذي كشف جميع الحيل... كشف زيف "الديمقراطية الليبرالية" و ما يتصل بها من شعارات بائسة... طفل/شيخ " الجمايلية" الذي صرخ: الجمايلية عطاشة ... حالتنا منيكة  ... حالتنا منيكة... حالتنا متعبة أصل".
ولكن لماذا يظل ذلك النساج الذي نسج الحكاية و حاك المؤامرة ضدنا خارج مجال انتباهنا ؟؟؟؟؟؟
سنسمي النساج " امريكا" نسميه "الامبريالية" " أو "الغرب الكافر"... لا فرق بين التسميات مادام هذا النساج قادرا على نهب  ثرواتنا وتعريتنا متى شاء... مادمنا متواطئين مع هذا الحائك الماكر بطرق شتىّ

منها الصمت.

سميولوجيا الاسنان وبرامج العض الوطني

لقد اصبح الخطاب السياسي في تونس على درجة  شديدة من التعقيد والابهام .وهو ابهام ناشئ عن الازدواجية و الخلط المفاهيمي و المنحى التبسيطي و المناورة السياسية و "النوايا المنيكة" في ذات الوقت. حتى ان هذا الخطاب قد كف تماما عن  انجاز الوظيفة الاساسية للغة وهي الابلاغ /التواصل ( فبحيث تلقى روحك امام احتمالين. اما ان الاغلبية الساحقة تحشي فيه والا  انك انت كنت تحشي فيه كيف كنت متصور روحك فاهم روحك) وعليه و امام استبعاد النسق اللساني / الفظي  سبيلا  للتمثل كان التفكير في التوسل بنسق غير لفظي ربما يساعد في الاحاطة ، وان بشكل عام ، ببعض جوانب الشان السياسي في تونس الان.
العلامة الاساسية في هذا النسق و التي سنحاول اشتقاق الدلالة منها هي الاسنان. اسنان السياسيين 

بعد نجاح انتفاضة 17 ديسمبر عاد الغنوشي الى تونس بنفس الاسنان التونسية  التي غادر بها قبل 20  سنة. اسنان صفراء مفلجة معوجة من جهة اليمين كما تبدو في الصورة 1. 



استقبل الغنوشي بالاهازيج (طلع البدر علينا) ويبدو ان حركة النهضة قد بدأت منذ تلك اللحظة الانفاق بسخاء على صنف من اتباعها (او المرشحين ليكونوا كذلك من منتهزي الفرص درجة عاشرة) . وقد حافظ الغنوشي على اسنانه الاصلية لفترة طويلة كانت حركته خلالها ترسخ اقدامها في الساحة السياسية بطرائق مختلفة. ثم طلع علينا فجأة باسنان جديدة بيضاء تبدو  قوية وصالحة للعض (بايحاءاته المختلفة) والاسنان الجديدة جاءت لتعلن مرحلة جديدة.، مرحلة سيطرة النهضة فعليا على الشأن السياسي و استعدادها للعض.

ومن الادوات الفاعلة  التي استعملتها النهضة بمكر متناه لاحكام سيطرتها السياسي على الشأن  السياسي في تونس و تجاوز كل المأزق الخطيرة التي وقعت فيها كاغتيال الشهيد شكري بلعيد  و التي كان من الممكن ان تعصف بوجودها في الساحة السياسية. اسنان حمادي الجبالي. اعني ابتسامته الدائمة و الغريبة. 



ابتسامة الجبالي تكثف مرحلة من المكر  النهضاوي، كان حلفاؤها هم ضحاياه قبل خصومها... 
و بالحديث عن حلفاء النهضة. (اللهم لا شماتة) نتطرق للحديث عن السيد رئيس الجمهورية و الذي تدل اسنانه بشكل واضح لا ريب فيه انه محاط بطاقم من المستشارين المخلصين جدا... حيث انه لم يوجد بينهم على كثرتهم من ينصحه بزيارة طبيب اسنان او على الاقل بتغيير معجون الاسنان الذي يستعمله. او الفرشاة.. ( تي موش معقول و الله حرام عليهم السخطة مخلينه هككة.. متروك كشيئ مهمل)
تأملوا اسنان السيد الرئيس .... الفك العلوي
و الفك السفلي

الن يخيل اليكم بعد تأمل الصور ان المسكين يعيش وحيدا و في عزلة تامة؟؟ هذا فقط ما قد يفسر حالة اسنان السيد الرئيس و الا كيف لم يخبروه انه عليه ان يغير فرشاة اسانه ؟؟؟ ولانهم لم يفعلوا فنحن على يقين انهم لم يخبروه ايضا بانه لم يتخذ قرارا سليما واحدا منذ تولى الرئاسة...
 قبل ان اختم على ان اذكر بان اسنان الباجي قائد السبسي  قد تسقط بفعل اهتزاز لسانه... ان اي حركة قد تتسبب في سقوطها جميعا. ولكننا اذ ننجوا من العض فقد لا ننجوا من البلع... و ان حمة الهمامي ، رغم التجارب الكثيرة ، مازال يصر على الاحتفاظ باسناننه اللبنية .