حين كان هامش الحرية أضيق من ثقب إبرة كان المدونون يوسّعون أفقا بحجم أحلامهم... هذه حقيقة كان لابد من التذكير بها... لن أسمي المدونين و لن اقترح عناوين مدوناتهم... ولكن لكم أن تعودوا إلى هذه المدونات إلى أغلبها على الأقل ... أرشيف هذه المدونات أمامكم ... الذاكرة أمامكم
عشرات المدونات التونسية حجبت و تعرض المدونون للتضييق والاعتقال ... بل إن السلطة حينها اعتمدت أساليبها الرخيصة ذاتها، فقد دفعت أتباعها للتدوين بلون بنفسجي مقيت لحصار الأصوات الحرة... اصوات تتملق بن علي و نظامه الى حد يسبب الغثيان.
كان لا بد من هذا التذكير لانني في ذات الوقت أوجه الدعوة لجميع المدونين: المهمة التي تنتظرنا اليوم أكثر دقة و أكثر خطورة... علينا أن نواجه كل أشكال الرداءة... علينا، وبقطع النظر عن تصوراتنا السياسية المختلفة و التي يجب أن تكون كذلك و مرجعياتنا الفكرية المتباينة أن نتقدم الآن خطوة إلى الأمام .. لا بد من تطويق الرداءة على اختلاف تنويعاتها...
في هذا السياق سأتناول تنويعا من تنويعات الرداءة أملا أن يتناول بقية المدونين إشكال أخرى..
لكي أكون دقيقا، في عرض المسألة سأنطلق من الوقائع:
نشرت بعض المواقع/ الصحف الالكترونية ، وهي صحف تقدم نفسها باعتبارها بديلا عن الاعلام الرائج غير الحرفي و الذي لا يحترم أعراف العمل و لا القارئ خبرا عن" مواصلة التجمع عمله في قفصة رغم قرار تعليق نشاطه"
راديو كلمة الذي تشرف على رئاسة تحريره نزيهة رجيبة و سهام بن سدرين نشر الخبر مدعيا انه تحصل على وثيقة رسمية وقع تسريبها من موظفي الإدارة الجهورية للشؤون الاجتماعية
ثم نشرت التونسية نفس الخبر نقلا عن كلمة
هذا بالإضافة إلى عشرات الصفحات على الفايسبوك و اللي تبنى أصحابها و الوثيقة و أكدوا صحتها 100/100
وهذه عينة من الصفحات التي يؤكد فيها المشرفون صحة الوثيقة
يا سي فرحات نظف الداخلية من المافيات
Vive gafsa
إذاعة صوت المناجم
وغيرها من الصفحات و الافراد
هذا كما نشرت جريدة الشعب ( الورقية) الوثيقة تحت نفس العنوان و حين اتصلت بالصحفي الذي نشر المقال (ناجي الخشناوي ) أكد صحة الوثيقة هو أيضا ودليله الوحيد هو ثقته في من سلمه الوثيقة
جلي اذن ان المشرفين على راديو كلمة و صحيفة التونسية و بقية المشرفين على صفحات الفايسبوك التي نشرت الوثيقة يقرون
يتحمل مسؤوليتهم كاملة أمام القراء أولا و أمام القانون ثانيا عن نشر هذه الوثيقة و ترويجها
الوثيقة
و سأكتفي بالملاحظات التالية و هي نفس الملاحظات التي تضمنتها تعليقاتي على بعض الصفحات و لم تلق أي تجاوب من المشرفين، بل قوبلت بالإصرار على صحة الوثيقة:
1ـ حجم الخط في رأس الصفحة غير متناسب (الخط الذي كتب به التاريخ ليس هو الخط الذي اسم الوزارة و الادارة اللتين تعود اليهما الوثيقة )
2ـ المراسلات الادارية لا توجه باسم المرسل اليه و انما بصفته فقط (عكس ما يوجد في الوثيقة التي تضمنت الاسم قبل الصفة، متى كان المرسل اليه يذكر باسمه الشخصي في المراسلات الادارية و هل هذه المراسلة استثنائية حتى يذكر فيها الاسم و الصفة؟؟؟ )
فهل يعقل ان كل الذين نشروا الوثيقة و روجوها لم تدفعهم هذه التفاصيل الى الشك في صحتها ؟؟ هل يعقل انها لم تلفت انتباههم؟؟؟ ام انها لفتت انتباههم و مع ذلك اصروا على نشرها لغايات؟؟
اذا لم تلفت انتباههم فهم لا يتمتعون بالكفاءة المطلوبة في صحفي متوسط الخبرة و الذكاء و اذا لفتت انتباههم و تغافلوا عنها فقد فرطوا في الصدقية و الموضوعية ( يعني بالدارجة اما التزييف لاسباب يعرفونها هم وحدهم فقط والا الكذب و لهم الاختيار)
يفترض ان المشرفين على رئاسة تحرير صفحة تقدم نفسها باعتبارها بديلا عن السائد و في قطيعة مع الممارسات القديمة بل وفي صراع مع التعتييم و التزييف أن يتحلوا بقدر من الدقة و الموضوعية في نقل الخبر... التحري احد ابرز شروط العمل الصحفي
لقد تمكنت من الوصول إلى الوثيقة الرسمية و هذا يعني ان الذين نشروا الوثيقة كان بإمكانهم الوصول إليها لو
أنهم رغبوا في ذلك أو سعوا إلى كشف الحقيقة و لكن يبدو ان الحقيقة لا تعنيهم و إنما هدفهم هو الإثارة... والسعي الى الإثارة في مثل هذا الظرف الحساس تعني غياب الوعي بدقة الموقف اذا أحسنا الظن بهؤلاء و الا فانها تعني التحريض على القتل و هتك الاعراض و الاعتداء على الاشخاص دون امتلاك حجة مقنعة...
الوثيقة الأصلية و تحمل نفس المرجع (226) موجهة من المدير الجهوي للتضامن و التونسيين بالخارج بقفصة إلى المتصرف الجهوي للتضامن الاجتماعي... و قد صدرت بتاريخ 07فيفري2011 بحسب جدول الصادرات وموضوعها تمكين مواطن من مساعدة تتمثل في مواد غذائية
ما حصل اذن هو ان هذه الوثيقة الأصلية قد وقع تزييفها بغباء شديد فتمت المحافظة على عدد المراسلة و على كل التفاصيل المتعلقة بالختم و الإمضاء. بالإضافة إلى ذلك فاني ـ و بحكم اطلاعي على جدول الصادرات الذي امتلك نسخة منه يمكنني أن أنشرها اذا استدعى الامر ذلك ـ أؤكد ان مراسلة واحدة ووحيدة صدرت بتاريخ 09/02/2011 كانت موجهة إلى المدير الجهوي للتربية و موضوعها التدخل لفائدة فتاة من أبناء العائلات المعوزة ( من معتمدية سيدي عيش) و كان العمل يومها قد تعطل أكثر من مرة لكثرة الطلبات وقد تدخل الجيش أكثر من مرة كذلك لترتيب الصفوف و لما استحال عليه الامر فانه قد امر الموظفين بالمغادرة لا غلاق الادارة خوفا عليها من الحرق ( بحسب تأكيد بعض موظفي الادارة)
فلماذا يروج إعلامنا " البديل" أخبار دون التحري عن صدقيتها بل ويوهمنا انه يقدم حججا و وثائق (مزيفة حتما) على ما يدعيه؟؟؟
إن هذه الممارسات تعبر عن انغماس في التقاليد البالية، تقاليد البحث عن الاثارة المجانية ، تلك التقاليد التي يدعي السادة و السيدات المشرفون على الصفحات المذكورة انهم حاربوها و يحاربونها و الثورة التي ضحى كثيرون بدمائهم من أجلها ترفض هذه الاساليب بل ان التأسيس للديمقراطية التي هي الهدف الاسمى للثورة، تقتضي أن يحاسب المخطؤون أو الفاسدون بملفات و حجج و أدلة تسد عليهم كل منافذ الهروب من مسؤولية أخطائهم أو فسادهم، ومن يتولى هذه المهمة هو القضاء العادل المستقل و ليس أي كان ... يا سادة كنتم تدعون انكم الملح؟؟؟ ها قد فسد الملح فمن سيملح الملح...؟
و لاشك ان حالكم في الإعلام كحالكم في النضال... من يفشل في ادارة جريدة او صفحة الكترونية ... من يفشل في عمله لا يمكن ان ينجح في مساعدتنا على توضيح الرؤية او تصور بديل... و " الدفاع عن حقوقنا"
مرة أخرى أدعو المدونيين الى تحمل مسؤوليتهم في فضح و تعرية كل من يتلبس بلبوس حداثي و ثوري و يصدر عن عقلية متخلفة و طبع انتهازي... كل تفصيل هو معركة... لا تستهينوا بأي شكل من أشكال الرداءة و لا تستصغروه.
شكرا جزيلا !
ردحذف