كنت في تدوينة سابقة تحمل نفس العنوان قد تناولت معنى السقوط في خطاب النهضة وممارساتها. واشرت حينها
الى ان " السقوط النهضاوي" هو سقوط بالمعنى المتداول في الفصحى وفي الدارجة التونسية.
وهوموضوع اعود لتناوله لان الواقع قد قدم في فترة وجيزة ادلة جديدة اكثر وضوحا على استماتة النهضة في تنفيذ مشروعها الاستبدادي دون تعديل رغم مؤشرات الخراب
العام التي لا يمكن ان ينكرها او يتجاهلها عاقل.
تجلى سقوط النهضة من البداية في
خطابها. ذلك الخطاب الماكر الذي توجه
الى ارضاء الجميع وخداع الجميع في آن (اتباع الحركة و خصومها على حد سواء.) خطاب حاول ان يقنع الخصوم
بتطور الحركة وقبولها بقواعد الديمقراطية .
وهو زعم يتناقض جوهريا مع طبيعة هذه
الحركة فالنهضة شأن كل الحركات الاسلاموية
التي
تستخدم الدين استخداما نفعيا لا
تستمد شرعيتها من ارادة الناخبين بل تدعي انها تستمدها من ارادة الله، لانها
تحتكر تمثيله و تنفيذ ارادته على الارض. ومعلوم
ان الحركات الاسلاموية لا تكتفي بادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة (فهمها المنغلق للدين ) بل تدعي شمولية تلك
الحقيقة ليمكنها الجمع بين شؤون الدين والدنيا. اذ تزعم ان الاسلام يتضمن حلولا
لكل المشاكل و تحديدا و تنظيما لكل المسائل سواء اتصلت بالمجتمع ام
بالفرد ، بالسياسي أو الاقتصادي أو التربوي ... بسياسة الدولة الخارجية أو بآداب
الطعام... و هو ما يشرع لها امتلاك الناس لا حكمهم فحسب.
ولئن حافظ خطاب
النهضة بعد 23 اكتوبر على طبيعته و نبرته فقد كشفت ممارستها بعد هذا التاريخ عن
عجز هذه الحركة عن التطور اولا وعجزها عن تحمل المسؤولية ثانيا :
النهضة و حماية
المقدسات
ـ تسعى النهضة الى
استصدار قانون يحمي المقدسات ليتيح لها تضييق الخناق على الخصوم السياسيين باسم الدين والتخلص
" بشكل قانوني" من كل صوت مخالف. وبما ان المقدس في قراءة الحركات الاسلاموية لا
حدود له ويتصل بكل مجالات الحياة فان قانونا من هذا النوع سيوسع هيمنة النهضة
لتشمل كل المجالات. ومعلوم ان النهضة لا تعول على القوانين التي قد تسنها فحسب بل واساسا على جيش المريدين و الاتباع (أعضاء، احزاب سياسية تابعة، جمعيات...) و الذين
يتحركون في ارض الواقع لفرض هيمنة هذه الحركة وتوسيع سيطرتها
ان المقدسات لا
تحتاج الى قانون يحميها و ان كان لابد من هذا القانون فالاجدر ان يتضمن التنصيص الصريح
على تجريم كل من يستعمل الدين استعمالا نفعيا و يوظفه لخدمة مصالحه الحزبية لان
الخطر الحقيقي يكمن في ظهور سلطة كهنوتية تتوسط بين الانسان و خالقه
النهضة و عودة
الاعداء البدائيين( الكوليرا والطاعون)
ان الربط بين
النهضة و ظهور الكوليرا و الطاعون قد يبدو تحاملا على هذه الحركة
غير ان موقعها في السلطة باعتبارها الحزب
الحاكم الذي يرزح الشعب تحت وطأة كفاءاته
الوزارية ( وكفاءة شركائها في
الحكم) يفسر هذا الربط .
فظهور الكوليرا
لم يكن بسبب ابتعاد الناس عن دينهم و مجاهرتهم بالكبائر، لم يكن بسبب حف اللحى
وارتداء الملابس الفاضحة ، بل بسبب تراكم الاوساخ (علميا على الاقل) و لا اعتقد ان
الحكومة تحتاج الى وقت لكي تتمكن من انجاز هذه المهمة.. ام ان رفع القمامة من
الشوارع و الانهج يحتاج الى هدنة بستة اشهر؟؟؟ هل علي ان اقول ان الكوليرا تعني الصوملة...؟؟؟؟؟ فللأمراض ايضا دلالاتها. ثمة امراض البذخ و كالسمنة و ثمة أمراض الفقر والجهل كالكوليرا .
النهضة و استفحال الجهل
أما الجهل الذي استفحل فهو جهل بمعنييه
ـ الجهل بما هو نقيض للحلم و التسامح( ولا شك ان
الامثلة على استفحال العنف و التعصب كثيرة فالاعتداءات المادية و المعنوية على
المثقفين و الفنانين والجامعيين والصحفيين ... تكاد تكون يومية وسواء كان التنفيذ موكولا الى السلفيين او الى نهضويين غير منضبطين او الى ميليشيات فان المسؤولية تتحملها النهضة التي تغذي هذا الفكر و تدعمه بتغافلها عن محاسبة المسؤولين)
ـ والجهل بما هو
نقيض المعرفة و عداء للتفكير (و لا شك ان رواج الرأي الذي يعتبر الازمات التي تجتاح البلاد عقابا ينزله الله
بعباده المارقين احد ابرز مظاهره )
....
إذا انطلقنا من مبدأ أنّ الازمات التي تجتاح البلاد عقابا ينزله الله بعباده المارقين فهذا يعني أنّ الله الذين يعتبرون أنفسهم خليفته غير راض عنهم، فإن لم يكن الله راض ولا الشّعب راض، فأين هي الشّرعية...
ردحذفExcellente note même si je considère que l'ignorance a toujours été signe distinctif de notre société, ce qui a changé c'est que les plus bêtes s'expriment plus
صحيح ان الجهل كان في حقبات كثيرة سمة مميزة من سمات مجتمعاتنا غير ان حدوده لم تكن ابدا ثابة... انها تتوسع او تتقلص بحسب عوامل كثيرة منها الارادة السياسية
ردحذففي اعتقادي ان رواج خطاب يستند الى الخرافة في تفسير الظواهر اليوم امر تريده السلطة السياسية و تسعى لنشره لانها المستفيد المباشر منه...
شكرا على الاهتمام